فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الأول: النصب بالفعل بعدها، والتقدير: أيَّ شيء عملت من سوء ودت، فـ {وَدَّتْ} جواب الشرط.
الثاني: الرفع على الابتداء، والعائد على المبتدأ محذوف، تقديره: وما عملته، وهذا جائز في اسم الشرط خاصة عند افرّاء في فصيح الكلام، أعني حذف عائد المبتدأ إذا كان منصوبًا بفعل نحو: أيُّهُمْ ضرب أكرمه- برفع أيُّهم وإذا كان المبتدأ غير ذلك ضَعُفَ نحو: زيدٌ ضربت، وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان في قراءة من قرأ: {أفحكمُ الجاهلية يبغون}، وفي قوله: {وكل وعد الله الحسنى} في الحديد.
الوجه الثاني من وجهي ما: أن تكون موصولة، بمعنى: الذي عملته من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدًا، ومحلها- على هذا- رفع بالابتداءِ، و{وَدَّتْ} الخبر، وهو اختيار الزمخشريِّ؛ لأنه قال: لكن الحمل على الابتداء والخبر أوْقَعُ في المعنى: لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم، وأثبت؛ لموافقة قراءة العامة انتهى.
فإن قيل: لِمَ لَمْ يمتنع أن تكون ما شرطية على هذه القراءة، كما امتنع ذلك فيها على قراءة العامة؟
فالجواب: أن العلة إن كانت رفعَ الفعل، وعدم جَزْمه- كما قال به الزمخشريّ وابن عطية- فهي مفقودة في هذه القراءة؛ لأن الماضيَ مبني اللفظ، لا يظهر فيه لأداة الشرط عملٌ وإن كانت العلة أن النية به التقديم، فيلزم عَوْدُ الضميرِ على متأخِّرٍ لفظًا ورُتْبةً، فهي أيضا مفقودة فيها؛ إذ لا دَاعِيَ يدعو إلى ذلك.
قوله- هنا- على بابها، من كونها حرفًا لما كان سيقع لوقوعِ غيره، وعلى هذا ففي الكلام حذفان:
أحدهما: حذف مفعول {تَوَدُّ}.
والثاني: حذف جواب {لَوْ}، والتقدير فيها: تود تباعُدَ ما بينها وبينه لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا لسُرَّت بذلك، أو لفرحت ونحوه. والخلاف في {لو} بعد فعل الودادة وما بمعناه أنها تكون مصدرية كما تقدم تحريره في البقرة، يبعد مجيئه هنا؛ لأن بعدها حرفًا مصدريًا وهو أن.
قال أبو حيان: ولا يباشر حرف مصدري حرفًا مصدريًا إلا قليلًا كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23]، قال شهاب الدين: إلا قليلًا يشعر بجوازه، وهو لا يجوز ألبتة، وأما الآية التي أوردها فقد مضى النحاة على أن ما زائدة.
وقد تقدم الكلام في أنَّ الواقعة بعد {لَوْ} هذه، هل محلها الرفع على الابتداء، والخبر محذوفٌ- كما ذهب إليه سيبويه- أو أنها في محل رفع بالفاعلية بفعل مقدَّر، أي: لو ثبت أن بينها وما قال الناس في ذلك وقد زعم بعضهم أن {لو}- هنا- مصدرية، هي وما في حيزها من معنى المفعول لِـ {تَوَدُّ}، أي تود تباعد ما بينها وبينه، وفي ذلك إشكال، وهو دخول حرف مصدري على مثله، لكن المعنى على تسلط الوداد على {لو} وما في حيِّزها لولا المانع الصناعي. والأمد: غاية الشيء ومنتهاه، وجمعه آماد- نجو أجل وآجال- فأبدِلَت الهمزةُ ألِفًا، لوقوعها ساكنةً بعد همزةِ أفعال.
قال الراغب: الأمَد والأبد متقاربان، لكن الأبد عبارة عن مدة الزمانِ التي ليس لها حَدٌّ محدود، وَلا يتقيد فلا يقال: أبَدَ كذا والأمد مدة لها حَدٌّ مجهول إذا أطلق، وقد ينحصر إذا قيل: أمَد كذا، كما يقال: زمان كذا، والفرق بين الأمد والزمان، أن الأمد يقال لاعتبار الغايةِ، والزمان عام في المبدأ والغاية ولذلك قال بعضهم: المدى والأمد يتقاربان. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله رَءوفٌ بالعباد}:

.قال الفخر:

فيه وجوه:
الأول: أنه رؤوف بهم حيث حذرهم من نفسه، وعرفهم كمال علمه وقدرته، وأنه يمهل ولا يهمل، ورغبهم في استيجاب رحمته، وحذرهم من استحقاق غضبه، قال الحسن: ومن رأفته بهم أن حذرهم نفسه.
الثاني: أنه رؤوف بالعباد حيث أمهلهم للتوبة والتدارك والتلافي.
الثالث: أنه لما قال: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} وهو للوعيد أتبعه بقوله: {والله رَءوفٌ بالعباد} وهو الموعد ليعلم العبد أن وعده ورحمته، غالب على وعيده وسخطه.
والرابع: وهو أن لفظ العباد في القرآن مختص، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا} [الفرقان: 63] وقال تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} [الإنسان: 6] فكان المعنى أنه لما ذكر وعيد الكفار والفساق ذكر وعد أهل الطاعة فقال: {والله رَءوفٌ بالعباد} أي كما هو منتقم من الفساق، فهو رؤوف بالمطيعين والمحسنين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{والله رؤوف بالعباد} يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة رأفة منه بعباده، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى: {إن ربك لشديد العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأعراف: 167] لأن قوله: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28] والله محذور العقاب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والله رؤوف بالعباد} لما ذكر صفة التخويف وكررها، كان ذلك مزعجًا للقلوب، ومنبهًا على إيقاع المحذور مع ما قرن بذلك من اطلاعه على خفايا الأعمال واحضاره لها يوم الحساب، وهذا هو الاتصاف بالعلم والقدرة اللذين يجب أن يحذر لأجلهما، فذكر صفة الرحمة ليطمع في إحسانه، وليبسط الرجاء في أفضاله، فيكون ذلك من باب ما إذا ذكر ما يدل على شدّة الأمر، ذكر ما يدل على سعة الرحمة، كقوله تعالى: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وتكون هذه الجملة أبلغ في الوصف من جملة التخويف، لأن جملة التخويف جاءت بالفعل الذي يقتضي المطلق ولم يتكرر فيها اسم الله، وجاء المحذر مخصوصًا بالمخاطب فقط، وهذه الجملة جاءت اسمية، فتكرر فيها اسم الله، إذ الوصف محتمل ضميره تعالى، وجاء المحكوم به على وزن فعول المقتضي للمبالغة والتكثير، وجاء بأخص ألفاظ الرحمة وهو: رؤوف، وجاء متعلقه عامًا ليشمل المخاطب وغيره، وبلفظ العباد ليدل على الإحسان التام، لأن المالك محسن لعبده وناظر له أحسن نظر، إذ هو ملكه.
قالوا: ويحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير، أي: إن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد، لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروا دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه.
وعن الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه، وقال الحوفي: جعل تحذيرهم نفسه إياه، وتخويفهم عقابه رأفة بهم، ولم يجعلهم في عمىً من أمرهم.
وروي عن ابن عباس هذا المعنى أيضا، والكلام محتمل لذلك، لكن الأظهر الأول، وهو أن يكون ابتداء إعلامه بهذه الصفة على سبيل التأنيس والإطماع لئلا يفرط الوعيد على قلب المؤمن. اهـ.

.قال البقاعي:

والرأفة- يقول أهل المعاني- هي أرق الرحمة، والذي يفصح عن المعنى- والله سبحانه وتعالى أعلم- أنها عطف العاطف على من يجد عنده منه وصلة، فهي رحمة ذي الصلة بالراحم، فمن تحقق أن الأمر لله سبحانه وتعالى وجد رفقه وفضله ورحمته عليه لما برئ من دعوى شيء من نسبة الخير إلى نفسه، فأحبه لذلك، قيل لأعرابي: أنك تموت وتبعث وترجع إلى الله؟ فقال: أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه فلذلك إذا تحقق العبد ذلك من ربه أحبه بما وحّده وبما وجده في العاجلة فحماه أن يجد عمل نفسه في الآجلة- انتهى.
وقد علم أن الآية من الاحتباك: التحذير أولًا دال على الوعد بالخير ثانيًا، والرأفة ثانيًا دالة على الانتقام أولًا- والله سبحانه وتعالى الموفق. اهـ.

.قال السمرقندي:

ذكر في أول هذه الآية عدله عز وجل في قوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا}، وفي وسطها تخويف وتهديد وهو قوله: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} وفي آخرها ذكر رأفته ورحمته وهو قوله: {والله رَءوفٌ بالعباد}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ}:
جملة مستأنفة، أصل نظم الكلام فيها: تود كل نفس لو أن بينها وبين ما عملت من سوء أمدا بعيدا يوم تجد ما عملت من خير محضرا. فقدم ظرفها على عامله على طريقة عربية مشهورة الاستعمال في أسماء الزمان، إذ كانت هي المقصود من الكلام، قضاء لحق الإيجاز بنسخ بديع. ذلك أنه إذا كان اسم الزمان هو الأهم في الغرض المسوق له الكلام، وكان مع ذلك ظرفا لشيء من علائقه، جيء به منصوبا على الظرفية، وجعل معنى بعض ما يحصل منه مصوغا في صيغة فعل عامل في ذلك الظرف. أو أصل الكلام: يحضر لكل نفس يوم الإحضار ما عملت من خير وما عملت من سوء، فتود في ذلك اليوم لو أن بينها وبين ما عملت من سوء أمدا بعيدا، أي زمانا متأخرا، وأنه لم يحضر ذلك اليوم. فالضمير في قوله وبينه على هذا يعود إلى ما عملت من سوء، فحول التركيب، وجعل تود هو الناصب ليوم، ليستغني بكون ظرفا عن كونه فاعلا. أو يكون أصل الكلام: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ومن شر محضرا، تود لو أن بينها وبين ذلك اليوم أمدا بعيدا؛ ليكون ضمير بينه عائدا إلى يوم أي تود أنه تأخر ولم يحضر كقوله: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} [المنافقون: 10] وهذا التحويل من قبيل قول امرئ القيس:
يوما على ظهر الكثيب تعذرت ** علي وآلت حلفة لم تحلل

فإن مقصده ما حصل في اليوم، ولكنه جعل الاهتمام بنفس اليوم، لأنه ظرفه. ومنه ما يجيء في القرآن غير مرة، ويكثر مثل هذا في الجمل المفصول بعضها عن بعض بدون عطف لأن الظرف والمجرور يشبهان الروابط، فالجملة المفصولة إذا صدرت بواحد منها أكسبها ذلك نوع ارتباط بما قبلها: كما في هذه الآية، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} [آل عمران: 35] ونحوهما، وهذا أحسن الوجوه في نظم هذه الآية وأومأ إليه في الكشاف.
وقيل منصوب باذكر.
وقيل متعلق بقوله: {الَمَصِيِرٌ} وفيه بعد لطول الفصل، وقيل بقوله يحذركم وهو بعيد، لأن التحذير حاصل من وقت نزول الآية، ولا يحسن أن يجعل عامل الظرف في الآية التي قبل هذه لعدم التئام الكلام حق الالتئام.
فعل الوجه الأول قوله تود هو مبدأ الاستئناف، وعلى الوجوه الأخرى هو جملة حالية من قوله وما عملت من سوء.
وقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} يجوز أن يكون تكريرا للتحذير الأول لزيادة التأكيد لقول لبيد:
فتنازعا سبطا يطير ظلاله ** كدخان مشعلة يشب ضرامها

مشمولة غلثت بنابت عرنج ** كدخان نار ساطع أسنامها

ويجوز أن يكون الأول تحذيرا من موالاة الكافرين، والثاني تحذيرا من أن يجدوا يوم القيامة ما عملوا من سوء محضرا.
والخطاب للمؤمنين ولذلك سمى الموعظة تحذيرا: لأن المحذر لا يكون متلبسا بالوقوع في الخطر، فإن التحذير تبعيد من الوقوع وليس انتشالا بعد الوقوع وذيله هنا بقوله: {وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} للتذكير بأن هذا التحذير لمصلحة المحذرين.
والتعريف في العباد للاستغراق: لأن رأفة الله شاملة لكل الناس مسلمهم وكافرهم {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19] وما وعيدهم إلا لجلب صلاحهم، وما تنفيذه بعد فوات المقصود منه إلا لصدق كلماته، وانتظام حكمته سبحانه. ولك أن تجعل أل عوضا عن المضاف إليه أي بعباده فيكون بشارة للمؤمنين. اهـ.

.قال الثعالبي:

عن مَنْصُورِ بْنِ عَمَّار؛ أنه قال: أعقلُ النَّاس مُحْسِنٌ خَائِفٌ، وأجْهَلُ النَّاسِ مُسِيءٌ آمنٌ، فلما سمع عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان منْه هذا الكلامَ؛ بكى حتى بَلَّ ثيابه، ثم قال له: اتل عَلَيَّ، يا مَنْصُورُ، شَيْئًا منْ كتابِ الله، فتلا عليه: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا} الآيَةَ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ: قَتَلْتَنِي، يَا مَنْصُورُ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد أبي السعود:

قال رحمه الله:
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} أي من النفوس المكلفة {مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا} عندها بأمر الله تعالى وفيه من التهويل ما ليس في حاضرًا {وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء} عطف على {مَّا عَمِلَتْ} والإحضار معتبرٌ فيه أيضا إلا أنه خُص بالذكر في الخير للإشعار بكون الخير مرادًا بالذات وكونِ إحضارِ الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية {تَوَدُّ} عامل في الظرف والمعنى تود وتتمنى يوم تجد صحائفَ أعمالها من الخير والشر أن أجزِيتَها محْضَرة {لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ} أي بين ذلك اليوم {أَمَدَا بَعِيدًا} لشدة هوله وفي إسناد الود إلى كل نفس سواءٌ كان لها عملٌ سيء أو لا بل كانت متمحِّضةً في الخير من الدلالة على كمال فظاعةِ ذلك اليوم وهول مطلعِه ما لا يخفى، اللهم إنا نعوذ بك من ذلك ويجوز أن يكون انتصابُ يومَ على المفعولية بإضمار اذكروا وتودّ إما حال من كل نفس أو استئنافٌ مبني على السؤال أي اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضرًا وادّةً أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا أو كأن سائلًا قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم: فماذا يكون إذ ذاك؟ قيل: تود لو أن بينها الخ أو {تَجِدُ} مقصورٌ على ما عملت من خير، وتود خبرُ ما عملت من سوء ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود وقرئ ودّت فحينئذ يجوز كونُها شرطيةً لكن الحمل على الخبر أوقعُ معنىً لأنها حكايةُ حالً ماضية وأوفقُ للقراءة المشهورة {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} تكرير لما سبق وإعادة له لكن لا للتأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل: {والله رَءوفٌ بالعباد} من أن تحذيرَه تعالى من رأفته بهم ورحمتِه الواسعةِ أو أن رأفته بهم لا تمنعُ تحقيقَ ما حذّرهُموه من عقابه وأن تحذيرَه ليس مبنيًا على تناسي صفةِ الرأفة بل هو متحققٌ مع تحققها أيضا كما في قوله تعالى: {يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} فالجملة على الأول اعتراضٌ، وعلى الثاني حال وتكرير الاسم الجليل لتربية المهابة. اهـ.

.قال في روح البيان:

اعلم ما يعمله الإنسان أو يقوله ينتفش في صحائف النفوس السماوية وإذا تكرر صار ملكة راسخة لكنه مشغول عن تلك الهيآت الثابتة في نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية والوهمية والفكرية فإذا فارقت النفس الجسد وقامت قيامتها وجدت ما عملت من خير وشر محضرا لارتفاع الشواغل المانعة كقوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه} فإن كان شرا تتمنى البعد فيما بينها وما بين ذلك اليوم أو ذلك العمل لتعذبها به فتصير تلك الهيآت صورتها إن كانت راسخة والأصورة تعذبها وتعذبت بحسبها ومن الله العصمة.
فعلى العاقل أن يزكى نفسه عن الأخلاق الذميمة ويطهر قلبه عن لوث العلائق الدنيوية ويجتهد في تحصيل مرضاة الله بالأعمال الصالحة والأقوال الحقة كى يجدها عند ربه يوم احتياجه ويفوز بالسعادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط وأعرى من كانوا قط وأنصب ما كانوا قط فمن أطعم الله أطعمه ومن سقى الله سقاه ومن كسا الله كساه ومن عمل لله كفاه». اهـ.